عاجل



انفجار سيارة مفخخة في ادلب بسوريا وسقوط العشرات بين قتيل وجريح


...

| 0 التعليقات ]

بعد مائة عام على تحرير المرأة
قاسم أمين والطاهر حداد يبعثان من جديد


في ذكرى مرور عام على إنشاء صالون "نون" الأدبي، وبعد مائة عام على إطلاق أول صرخة تحرر، استضافت القائمات على الصالون بقاعة السنابل في غزة الدكتور عبد الرحمن بسيسو ليقدم للحضور قراءة حداثية في فكر الرائدين التنويريين قاسم أمين والطاهر الحداد في مرآة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( Cedaw ) والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979.
ابتدأ الدكتور بسيسو فيها بالتعبير عن سعادته في الذكرى الأولى والعيد الأول للصالون وأكد من خلال التقرير الذي عرضته سهير أبو خوصة العضوة في الصالون عن انجازاته في عام أنه جهد مفتوح على الرؤى والأفكار الخلاقة ويعد بمزيد من العطاء مع مستقبل الأيام.
ثم أشار إلى عدة ملاحظات أرادها أن تكون أساس النقاش وهي مراعاة السياق الذي وردت فيه أفكار المفكرين وهو سياق صدمة الحداثة التي ربما تكون بدأت مع أصوات مدافع نابليون فهي التي جعلتنا نفكر في مستقبلنا وحاضرنا، ثم قراءة المفكرين في مرآة الاتفاقية بوصفها آخر ما توصل له الإجماع الدولي في شأن حقوق المرأة. قراءة تضيء ما حدث في المسافة الفاصلة بين زمن صدور " تحرير المرأة" " والمرأة الجديدة" عام 1899 وزمن صدور كتاب الطاهر الحداد عام 1930 حتى صدور الاتفاقية في نهاية عام 1979، ثم قراءة في ضوء معطيات الواقع الراهن والتي قد تضيء المسافة من عام 1980 حتى الآن. ومحاولة اكتشاف المبادئ الفلسفية التي يستهدي بها ذلك الفكر ومنهجه، ثم إضاءة القراءة برؤية نقدية والإشارة إلى القضايا الإشكالية المسكوت عنها والدعوة إلى التفكير فيها.
وتساءل لماذا نحن متخلفون إلى هذا الحد ؟ لماذا يتقدم العالم ونحن نراوح في نفس المكان؟ كيف يمكن أن نصبح مثل الآخرين؟ كيف نستطيع أن ننتقل خطوة للأمام؟ كيف يمكن أن نعيش الحاضر باعتباره قاعدة للانطلاق نحو الآخر.
عبر بسيسو عن إدراكه أن المرأة أم وأخت وزوجة وبنت فهي أم الإنسان رجلاً وامرأة فيها كمالنا وكمالها فالمرأة والرجل هما ضفتا الإنسانية، ثم انطلق ليستعرض الملامح العامة للاتفاقية والتي تتكون من ديباجة وستة أجزاء وتتأسس على مبدأ المساواة التامة في الحقوق بين الرجل والمرأة في كل ميدان ومكان بغض النظر عن الحالة الزوجية للمرأة. وتدعو إلى استنان تشريعات وطنية لحظر التميز ضد المرأة وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل في مساواتها بالرجل وتعديل أنماط السلوك بما يكفل إتمام تلك المساواة. وأشار إلى فكرة الديباجة الرئيسة وهي أن البشرية تؤمن بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية. أما الأجزاء الستة والتي اشتملت على 30 مادة ، فقد كانت موادها تتركز على تعريف التميز وسياسة القضاء على التميز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة، ثم حقوق المرأة في مجال التعليم والعمل، فالمساواة أمام القانون والأحزاب السياسية والأحوال الشخصية والشئون المدنية ثم آليات تنفيذ الاتفاقية وأخيراً أثر الاتفاقية على المعاهدات القائمة وعلى ما يمس الاتفاقيات المعمل بها والتحفظات على الاتفاقية والتصديق عليها.
بعد الإيجاز المركز للاتفاقية انطلق ليستعرض فكر الرائدين في ضوئها ويوضح أنهما تناولا طبيعة المرأة والتي تمثل إشكالية مسكونة بتراث طويل ممتد من الاستبداد. وأن كليهما يحترمان المرأة ومساواتها بالرجل وذلك وفق مبدأ مؤداه أن المرأة والرجل كلاهما من نوع الإنسان فالمرأة كما يقول قاسم أمين إنسان من نوع الرجل لها ما عليها وعليها ما عليه فهي إنسان لا تختلف عنه في الأعضاء ووظائفها ولا في الإحساس، وتعرض لفكرة أن المرأة ناقصة عقل ودين وفكرة الاستبداد وفكرة الثنائيات التي يقيم عليها قاسم أمين كل بنائه الفكري حيث يقول نتيجة للاستبداد أصبح للرجل الحرية وللمرأة الرق وله العلم ولها الجهل، له العقل ولها البله، له الضياء ولها الظلام وله الأمر ولها الطاعة والصبر، له كل شيء في الوجود وهي بعض الكل الذي استولى عليه فهي جزء من ملكيته. فالاستبداد والتملك أساس التميز بين الرجل والمرأة.
واستدرك د. بسيسو بأن قاسم أمين لم يتعرض لحريات المرأة من منظور عموم النظر إلى حالة المرأة الزوجية.
أما الطاهر حداد فهو يبرأ الإسلام من أي تميز قائم على أساس جنسوي ويرجع التميز ضد المرأة وتهميشها وإنقاص مكانتها إلى أن الأمة أمة الانحطاط والأهواء وحاجات السلطان وهيبة الماضي. وأن عامة الفقهاء يجتهدون دون النظر إلى الواقع أو التطورات ولا حتى العودة للنص القرآني وهو يدعو إلى تأويل النص وفق حاجات العصر ومصلحة الناس والعودة للنص الأول وليس للنصوص الثواني. ويتساءل الدكتور هل أقفلنا على المرأة في البيت وفي عقولنا؟
والقضاء على التمييز عند قاسم قضاء على الانحطاط وهو إنهاء لما تتعرض له من احتقار وتهميش وهو يميز بين إقرار الحق واستعماله – فالإقرار بالحقوق موجود ولكن متى ستأخذها وهو يرى أن تأخذها بالتدرج حتى تتأهل لممارسة الحقوق وأن ذلك يكون بالتربية والتعليم، يقول لا بد من إعداد نفوس الفتيات حتى يعتقدن أن العفة ملكة في النفس لا ثوب يختفي دونه الجسم.
أما الطاهر حداد فلم يربط قضية المرأة بالمسألة الاجتماعية الوطنية على شمولها واتساعها بل كان أكثر اتساعاً وعمقاً في الرؤية من قاسم يقول " الحق جزء من الماهية متأصل في الذات الإنسانية إنه طبيعة ذاتية وليس لانعدام ممارسته أن يبطله أو يلغيه " فلقد ربطه بالجانب الاقتصادي فالمرأة ذات إنسانية مستقلة كما الرجل مكتفية بذاتها أي ليست ظلاً لأحد . وبرر عدم إعطاء الإسلام الحقوق للمرأة مرة واحدة وعدم إقراره المساواة التامة من البداية بأن الإسلام كان متدرجاً دائماً ففي عدم التدرج وطأة على النفس وخوف من ذلك ولذلك جاء التغيير متدرجاً في الجاهلية والآن لا بد من نبذ روح الجاهلية، ويؤكد الدكتور أن الإنسان ساع إلى كماله والكمال يأتي من حاضر مفتوح على مستقبل مفتوح واستعادة الماضي أمر مستحيل، وقد كان الطاهر يؤسس ذلك على مساعدة المرأة ودعمها حتى تستقل عن طريق العمل وتحصيل العيش والإنفاق بالتعاون مع الرجل لما يلزمهما من أمور مشتركة أي كفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين وهذا يؤسس لمساواة واقعية ففي الاستقلال الاقتصادي انفتاح على الآخر وسعي لإكمال نقص الأنا والأنت فالنهوض يكون جماعياً وإن إبعاد المرأة عن الحراك الاجتماعي أفضى إلى تخلف من كل الوجوه وهو ما يسميه الطاهر بالانكسار القاتل.
وبذلك فأساس عدم التمييز عند قاسم أمين أساسه التربية والتعليم وهو يفضل تخصص المرأة بالزواج والإنجاب وأن تكون الأولوية لمصلحة الطفل، ويدعو إلى اجتثاث الأسباب الرئيسة التي تؤسس للدعارة والاتجار بالنساء. وقاسم أمين يوسع مفهوم الحرية ويقول إنها قاعدة ترقي النوع الإنساني في معراجه نحو السعادة وهي استقلال الإنسان في فكره وإرادته وعمله متى كان واقفاً عند حدود الشرائع محافظاً على الآداب وعدم خضوعه بعد ذلك في شيء لغيره اللهم إلا في حالات مستثناة كالجنون والطفولة. ولكن أساسه عند الطاهر اقتصادي.
ويؤكد الدكتور بالنسبة للمساواة بين الرجل والمرأة وحقوق الأمومة أن الطفل والد الرجل والطفلة والدة الأم والمرأة أم الإنسان فالأمومة وظيفة اجتماعية وليست من طبيعة المرأة ، إذن يجب أن تدخل المجتمع المرأة كذات كاملة وليس مادة يشكلها الرجل.
ثم أنهى بسيسو الجلسة يوضع تعريف للحرية من وجهة نظره فالحرية كما يراها القدرة على عدم إرادة إلا ما يبحث المرء عنه دون أن يعرفه.
ثم فتح باب الحوار للجمهور من أساتذة أكاديميين وباحثين وكتاب ومؤسسات نسوية وجمعيات أهلية وشباب وشابات مهتمين بالقضايا النسوية ليؤكدوا أن بسيسو قد دخل بطرحه للموضوع حقل ألغام استمر مائة عام وقد يبقى مائة عام قادمة، ويرون أن المرأة جزء من الوضع الاجتماعي العام وأن الخروج من الدائرة لن يكون بحلول سحرية، فالتنظير في المجتمع غير متوافق مع التنفيذ فالعادات الاجتماعية مسيطرة على كل شيء حتى على النصوص الدينية والقوانين الوضعية، ولا بد من الاستقلال الاقتصادي للمرأة. وأبدى الجميع تخوفه من العودة للوقوف والبكاء على فكر قاسم أمين بعد مائة عام مرة أخرى.
لقد انتهت الجلسة بعد نقاش مطول ومشاركات فاعلة من الجمهور ليشكر الدكتور الحضور من الرجال والنساء والشباب والشابات الذين يسعون لإجراء تغيير جذري حقيقي في مجتمعنا نقاش يحملنا من واقع لآخر ويجعلنا نشعر أننا بشر يتحدثون إلى بشر ويعيشون مع بشر وأنهم يريدون الخروج من ذلك القبو المعتم الذي يفصل النساء عن الرجال والعكس في مجتمع مطلق غير محكوم يعمل على التخلص من كل سلطات القمع والهيمنة والكبح.


0 التعليقات

إرسال تعليق

 
Privacy Policy